«الفتح المبين» أشهر من أن يعرَّف؛ فقد حاز المجدَ من أطرافه كلِّها.
إذ هو كتابٌ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قد حوى من الأحاديث أصحَّها وأهمَّها وأجمعها للأحكام، فأحاديث الأربعين بمثابة قواعد إسلاميَّة.
إنها أحاديث عليها مدارُ الإسلام، وإجماعُ الأئمَّة والعلماء العظام، وعليها تنبني أغلب الأحكام، وإليها يرجع كلُّ فقيه وطالب وإمام.
أحاديث ما برح أهل العلم قاطبةً مهتمين بدراستها وتدريسها، وفهمها وتفهيمها، وحفظها وتعليمها، منذ بزوغ فجر النُّبوَّة إلى يومنا هذا، وذلك لأنَّها مشتملة على أصول الدِّين، وفيها جوامع الآداب والأحكام.. هذا من جهة خصائص النُّصوص الحديثيَّة.
أمَّا من جهة من قام باصطفاء هذه المجموعة المباركة من الأحاديث النَّبويَّة الشَّريفة.. فهو الإمام النَّوويُّ رحمه الله، الإمامُ الفقيهُ المحدِّثُ، من أجمع أهل الفضل على إمامته، وشهدوا له بعلوِّ كعبه، وهو أشهر من أن يعرَّف.. هذا بشأن أصل الكتاب ومتنه.
أمَّا بشأن الشَّرح.. فهو لشيخ الإسلام العلَّامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله، وهو أيضاً عمدة المحقِّقين والمفتين من العلماء المتأخِّرين الجهبذ المتفنِّن.
وشروح الأربعين كثيرة جدّاً، ولكنَّ هذا الشَّرح يمتاز عن غيره بمزايا مهمَّةٍ، جعلت أهل العلم يتلقَّون هذا الشَّرحَ بالقَبول، ويهتمُّون به أبلغ الاهتمام، حتى ذاع صيته، وقُدِّم على غيره، وأطبق أهل العلم على امتداحه.
وقد وضعَ هذا الشَّرح اللطيف المبنى، الغزير المعنى في إيجازٍ مناسبٍ، وذكر فيه من غرر فوائدها وأسرارها؛ لأنَّ التَّطويل يملُّ، والاختصار المجحف يخِلُّ، فكان «الفتح» واسطة عقد الشُّروح، وقد تضمَّن هذا الشَّرح المبارك: تعريف الرواة، وتبيين الأحكام وفقهها، وإيضاح غريب المفردات والتَّراكيب، وإعراب المُشكِل، إضافةً إلى كثيرٍ من الأصول والفروع والآداب المستنبطة منها.
وقد وفَّق الله تعالى دارَ المنهاج فقامت كعادتها بتحقيق النصِّ تحقيقاً بارعاً، بعد مقابلتها على عددٍ من المخطوطات، وأضافت إليه بعض الفوائد المهمَّة من حاشية المدابغي، إضافةً إلى فوائدَ نفيسةٍ التقطناها من نسخةٍ للكتاب كانت قد قرئت بداغستان من قبل علماء أجلَّاء.
إلى غير ذلك ممَّا لا نطيل بشرحه، وسيجدُه القارئ الكريم ويلحظه حينما يمتِّع ناظريه بتصفُّح هذا «الفتح المبين