درء تعارض العقل والنقل أو “موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول” أو “الجمع بين العقل والنقل”: هو اسم كتاب يعدُّ من أنفس كتب ابن تيمية، كما صرح بذلك معظم الذين ترجموا له. وموضوعه: كما يدل عنوانه هو دفع التعارض الذي أقامه المتكلمون والفلاسفة بين العقل والنقل -أي الكتاب والسنة-، فيقرر ابن تيمية الأدلة السمعية، ويبرهن على إفادتها القطع واليقين، فيقول: “أما كتابنا هذا فهو في بيان انتفاء المعارض العقلي وإبطال قول من زعم تقديم الأدلة العقلية مطلقاً”. فهذا الكتاب يبحث في علم الكلام والعقائد وتوحيد الله، وقد ألفه ابن تيمية لمناقشة الفلاسفة وأهل الكلام والرد على القانون الكلي لفخر الدين الرازي وماتوصل إليه الرازي من تقديم العقل على النقل في حال تعارضهما. ومن أهم المواضيع التي طرحها في كتابه هذا مسألة العلو والجهة، والمعاد، والتنزيه عن الشركاء، وحدوث العالم، والاستواء وغيرها من المواضيع العقدية الحساسة جدًا وهذه طبعة مضبوطة ومخرجة الآيات والأحاديث مع ترجمات لبعض الأعلام
أخذ الكتاب شهرة واسعة في زمان ابن تيمية وقال عنه تلميذه ابن قيم الجوزية في كتاب ( طريق الهجرتين وباب السعادتين ): ومن أراد معرفة هذا فليقرأ كتاب شيخنا وهو (بيان موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح) فإنه كتاب لم يطرق العالم له نظير في بابه، فإنه هدم فيه قواعد أهل الباطل من أساسها، فخرت عليهم سقوفه من فوقهم، وشيد فيه قواعد أهل السنة والحديث، وأحكمها ورفع أعلامها، وقررها بمجامع الطرق التي تقرر بها الحق من العقل والنقل والفطرة، فجاء كتابا لايستغنى من نصح نفسه من أهل العلم عنه، فجزاه الله عن أهل العلم والإيمان أفضل جزاء، وجزى العلم والإيمان عنه كذلك
يعالج هذا الكتاب مشكلة العلاقة بين العقل والشرع، تلك المشكلة التي أرَّقت الكثير من المفكرين قديمًا وحديثًا، وقد كان سبب ظهور هذه المشكلة قديمًا عوامل كثيرة، تتصل بوضع الأمة الإسلامية بين الأمم، ووضعها السياسي والحضاري على خارطة الكرة الأرضية ومدى صلة مثقفيها بأصول حضارتهم أو انقطاعهم عنها، قرأ ابن تيمة هذا كله ووقف إزاءه متسائلاً عن الأسباب الكامنة وراء هذا الزعم القائل بإمكان تعارض العقل والشرع وحددها في أمور
– ظن بعض المفكرين أن ما عند أرسطو من تصورات عقلية عن الله صحيح لا خطأ فيه
– الجهل بالميراث النبوي بالكتاب والسنة الصحيحة
– عدم التفرقة بين العقل القطعي صريح الدلالة، وبين ما يسميه الناس معقولات أو دلالة عقلية
وقد أخذ المؤلف في مواقفه مع معارضيه بمنهج تحليلي تمثل فيما يلي
كان يبدأ أولاً بتحديد المصطلح ليعرف ما فيه من معاني ليمكن بعدها أن يقبلها أو يرفضها
ثم يضع أمامه الأدلة التي ظنها الفلاسفة عقليات للمناقشة والتمحيص
ثم يوضح لمعارضيه بالأمثلة العقلية أن العقل الصريح لا يتعارض أبداً مع المنقول الصحيح
وفي النهاية يقول لأصحاب هذه الدعاوي: إنه يمكن للخصوم أن يعارضوا قولكم بمثل حجتكم ولا تملكون دليلًا صحيحاً تردون به صولتهم عليكم