حَسْبُ هذين الكتابين – صحيح البخاري وصحيح مسلم ۔ سموا ورفعةً وإمامةً وجلالة أن يقال عنهما: إنهما أصح كتابين بعد كتاب الله جل وعلا، وأن تتواطأ السنة ورثة النبوة وعلماء الأمة على تعظيمهما وتقديمهما، والثناء عليهما، وأنهما في أعلى درجات الصحة. قال النووي: “اتفق العلماء -رحمهم الله- على أن أصح الكتب -بعد القرآن العزيز- الصحيحان: البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول”. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “الذي اتفق عليه أهل العلم أنه ليس بعد القرآن أصح من كتاب البخاري ومسلم”
إن “تقريب السنة بين يدي الأمة”، وربط المسلمين بالصحيح الثابت من حديث رسول الله ﷺ، وتيسير تناوله لهم من أعظم أسباب الاستقامة على أقوم سنن، والعصمة من مضلات الفتن، وسلامة التدين من شوائب البدع وعوارض الزيغ. وإن أعظم تحصين لعقول المسلمين ضد الموضوعات والخرافات هو ملؤها بالأحاديث الصحاح الثابتات؛ فإن أنوار النبوة كاشفة لظلمة الجهالة، مبينة لبس الباطل واشتباهه. ولا ترى موفقًا إلى إدمان النظر في صحيح السنة إلا أنست منه نفرة من الباطل والموضوع، وبصيرة في التمييز بين الصحاح الثابتة والموضوعات المختلقة، ولذا عظمت الرغبة في إخراج كتاب جامع للأحاديث الصحيحة الثابتة التي حكم بصحتها أئمة هذا الشأن، علماء السنة وحملة ميراث النبوة. وكان التفكير منحصراً في إخراج كتاب في الجمع بين الصحيحين اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب الله.
لم يكن عمل الإمام أبي محمد مجرد الحذف والاختصار، أو الجمع والإضافة، ولكنه قصد إلى خطة تدل على براعة واتقان، كما تدل على حفظ وتيقظ واستحضار، وذلك أنه راعى الجمع المستقصي، والتحرير البالغ، والترتيب الحسن، والتعليق المختصر المفيد.
1 – أما الجمع المستقصي فإن الإمام أبا محمد يسوق أتم ألفاظ الحديث وأوفاها، ثم يتبعها بزوائد الروايات المتفرقة، ولئن كان هذا ميسوراً في صحيح مسلم، فإن التقاط الروايات من أماكنها المتفرقة في صحيح البخاري أمر في غاية العسر، لولا ما أنعم الله به على الإمام عبد الحق من حفظ واستحضار عجيبين
2 – أما تحريره البالغ فيظهر ذلك في دقته في بيان الفروق بين الروايات داخل الصحيح، وإن بدا أن هذا الفرق طفيف لا يستدعي الإشارة إليه. وعنايته ببيان الاختلاف بين رواة الصحيح، وتتبعه لنسخ الصحيح.
3 – أما ترتيبه فقد سدد فيه هذا الإمام غاية التسديد، حيث قفي فيه إمام هذا الشأن أبا الحسين مسلم بن الحجاج الذي عُدَّ ترتيبه لصحيحه من أعظم ميزاته.
4 – أما التعليق على الأحاديث فهي تعليقات الأئمة الحفاظ، عقيب الحديث ببيان بعض الألفاظ المنتقدة فيه، والتعليق ببعض الأعلام، والتعليق بتحريره روايات الصحيح، والتعليق بتخريج بعض المعلقات في الصحيح
أما القسم الأخير من الكتاب فقد أفرده لذكر ما أورده البخاري من المعلقات وأقوال الصحابة والتابعين