نيل الاوطار من اسرار منتقى الاخبار
Épuisé
هذا كتابٌ لم تكتحِلْ عينُ الزَّمانِ بمثلِه، اشتَملَ على فوائدَ عالية، ومَزايا سامية، قلَّ أنْ تُوجدَ في غيرِه مِنْ كُتُبِ الفنِّ، كما يُعتَبَرُ مِنْ ذَخَائرِ التُّراثِ الإسْلاميِّ، ومِنْ أجلِّ مؤلَّفات الإمام الشَّوكاني وأشهرِها، فقد أجادَ فيه كُلَّ الإجادة، وبلغَ فيه غايةً في الإحسان والإفادة، وسلَكَ فيه مسالِكَ معتدلة، وطرقاً واضحةً وأساليبَ سَهلة، حتى عدَّه بعضُ أهل العلم مِنْ أحسَنِ الكُتُبِ المُؤلَّفة في هذا الفنِّ، وحتى قال عنه مؤلِّفُه: إنه لم يرضَ عن شيءٍ مِنْ مُؤلَّفاتِه سِواه.
كما يُعدُّ هذا الكتابُ مِنَ الكُتُبِ الفقهية المَوسُومة بِسِمَةِ الاجتهاد ونَبذِ التَّقلِيدِ، فقد أعطى مصنِّفُه مسائلَه حقَّها على طريق الإنصافْ، وعدم التقيُّد بمذاهب الأسلافْ، وقَرَّب فيه أوطارَه، وشَرَح أحاديثَه وأخبارَه، وكَشَف معانيَه وأسرارَه، فتناولَها من أعالي الرُّفوف، وجعلَها دانيةَ القطوف، تُشبِع حاجةَ الطالب، وتُرضي نُهمةَ الرَّاغب، ممَّا جَعَلَهُ كتاباً مُعتمَداً ومقبُولاً في الأوساط العلمية كافَّة.
كما اكتسبَ أهميةً زائدةً كونَه الشرحَ الوحيدَ المطبوعَ لمتنٍ متينٍ وحِرزٍ حَصِينٍ في الحديث الشريف، ألا وهو المَتنُ المَوسُوم بـ:((المُنتَقَى مِنَ الأخبارِ في الأحكام)) للمَجدِ ابنِ تيميَّة، والذي يُعدُّ مِنْ أوسَع كُتُبِ أحاديث الأحكام, وأكثرها شُمولاً وفائدة؛ إذْ إنَّه لم يُنسَجْ على بَديعِ مِنواله، ولا حُرِّر على شكله ومثالِه.
أسبابُ ودَواعي التأليف:
قال المُصنِّفُ في مقدمة كتابه متحدثاً عن متن ((المُنتقَى)): وكان كثيراً ما يتردَّد الناظرون في صحة بعض دلائله، ويتشكَّك الباحثون في الراجح والمرجوح عند تعارض بعض مستندات مسائله، فحَمَل حُسنُ الظنِّ بي جماعةً من حَمَلة العلم بعضُهم من مشايخي على أنِ التمَسُوا منِّي القيامَ بشرح هذا الكتاب…، فصمَّمْتُ على الشُّروع في هذا المَقصِد المحمُود، وطمِعتُ أنْ يكونَ قد أُتيحَ لي أنِّي مِنْ خَدَمِ السُّنة المُطهَّرة معدُود.
منهج المُصنِّف في الكتاب وطريقتُه فيه:
وصفَ المُصنَّفُ منهجَه في كتابه هذا بقوله:
وقد سلكتُ في هذا الشرح لِطُولِ المَشروح مسلكَ الاختصار، وجرَّدتُه عن كثيرٍ مِنَ التَّفريعاتِ والمُباحثاتِ التي تُفضي إلى الإكثار.
وأما في مواطن الجِدال والخصام فقد أخذتُ فيها بنصيبٍ مِنْ إطالةِ ذُيولِ الكلام؛ لأنها معاركُ تتبيَّنُ عندَها مقاديرُ الفُحول…
واقتصرتُ فيما عدا هذه المقاماتِ على بيان حال الحديث، وتفسيرِ غريبه، وما يستفادُ منه بكل الدَّلالات، وضَممْتُ إلى ذلك في غالبِ الحالاتِ الإشارةَ إلى بقيةِ الأحاديث الواردة في الباب، ممَّا لم يُذكَر في الكتاب.
ولم أطوِّل ذيلَ هذا الشرح بذكر تراجم رواة الأخبار.
وقد أشيرُ في النادر إلى ضبط اسم راوٍ أو بيانِ حالِه على طريق التنبيه.
وجعلتُ ما كان للمصنِّف من الكلام على فقه الأحاديث وما يستطردُه مِنَ الأدلَّة في غضونه منْ جُملةِ الشَّرحِ في الغالب، ونسبتُ ذلك إليه.
وتعقَّبتُ ما ينبغي تعقُّبُه عليه، وتكلمتُ على ما لا يُحسِنُ السُّكُوت عليه.
هذا ويمكنُ أنْ تُستَشفَّ بعضُ المَعالِم الأُخرَى لمنهجه وطريقتِه، أهمُّها:
أنه يبدأُ بنقل كلام المَجد ابنِ تيميَّةَ، ثمَّ يُعقبه بتخريج الحديث من المصادر المختلفة, وما قيل فيه من تصحيحٍ وتضعيفٍ وإعلال, ثم يتكلَّم على الرِّجال جرحاً وتعديلاً، ناقلاً أقوال العلماء في ذلك, معتمداً على أمّهات الكُتُب في هذا الفنِّ, كـ: ((التلخيص الحبير)) لابن حجر, و((نصب الراية)) للزيلعي, و((البدر المنير)) لابن الملقن.
كما يُنبِّه على أوهام المَجد بن تيميّة إنْ وجُدتْ.
ويَضبط بعض الألفاظ، ويشرح الغريبَ منها، ويُعرِب أُخَر، ناقلاً في ذلك كلامَ أئمَّة الشأن واللُّغة.
ثم يتكلَّم على فقه الحديث, وينقل أقوال الأئمة من الشُّرّاح, ككلام الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)), والنووي, والخطابي, والعيني, والكرماني، وغيرِهم, ويُبيِّن اختلافَهم وأقوالَهم وتعقُّباتهم ويُناقش الأدلَّة، ثم يختار الرأي الذي يرتضيه، دُونَ تعصُّبٍ أو تعسُّف.
كما يقومُ بإسقاطِ الأحكام الفَرعيَّة على القواعدِ الأصوليَّة، مُستعيناً بكلام فُحول علماء الأصول في ذلك.
ثم يُنبِّه إلى الفوائد التي تُستفاد من الحديث.
أما المؤلِّف فهو:
محمدُ بنُ عليِّ بنِ محمدٍ الشَّوكانيُّ، فقيهٌ مجتهدٌ مِنْ كبارِ عُلَماء اليَمَن، مِنْ أهلِ صَنعاء، وُلِدَ بهِجرة شَوكان مِنْ بلاد خولان باليمن سنة (1173هـ)، ونشأ بصنعاء، ووليَ قضاءَها سنةَ (1229هـ)، ومات حاكمًا بها سنةَ (1250هـ)، وكان يَرَى تحريمَ التَّقليد. له (114) مؤلَّفًا، منها: ((نيل الأوطار من أسرار منتقى الاخبار))، وهو كتابُنا هذا، و((البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع))، و((إتحاف الأكابر))، وهو ثَبَتُ مروياتِه عن شيوخه، مرتَّبٌ على حروف الهجاء، و((الفوائدُ المجموعة في الأحاديث الموضوعة))، و((التعقُّباتُ على الموضوعات))، و((الدُّررُ البهية في المسائل الفقهية))، و((فتح القدير)) في التفسير، و((إرشادُ الفُحُول)) في أصول الفقه، و((السيل الجرار)) في نقد كتاب ((الأزهار))، و((تُحفَةُ الذاكرين))، شرح عدة الحصن الحصين.